الشبهة التي اصطنعها بعض المشككين ودأبوا على تكرارها هي آية في سورة الكهف تصور لنا ذلك العبد الصالح الذي يدعى ذو القرنين. قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) [الكهف: 86]. والمشكلة حسب قولهم في عبارة (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)، ويقولون: كيف يمكن للشمس أن تسقط في مستنقع من الطين مع العلم أن الشمس أكبر من الأرض بأكثر من مليون مرة؟ إذاً هذا القرآن ليس كتاب الله، لأن الله لا يخطئ مثل هذا الخطأ العلمي.
والجواب أن هذا المشكك هو الذي خلق المشكلة، فالآية لا أحد يفهمها على أن الشمس تسقط وتدخل في الأرض... إنما الآية تعني أن ذا القرنين وجدها (أي وجد الشمس) تختفي وتغيب وراء هذا المستنقع الطيني... وهذه ظاهرة طبيعية تعتبر من أجمل الظواهر... والنبي الكريم لم يكن يعيش في مثل هذه البيئة بل كانت بيئته صحراوية، فكيف وصف لنا غروب الشمس في العين الحمئة من دون أن يراها... هذا يعني أن القرآن من عند الله تعالى. لأن سكان الجزيرة العربية لم يكن لديهم أدنى تصور عن بيئة المستنقعات...
ولو تتبعنا الآية الكريمة لا نجد أحداً من الذين قرأوا القرآن فهم من هذه الآية أن الشمس تسقط في العين الحمئة أو المستنقع الطيني! بل كل من يفقه اللغة العربية يفهم من الآية أن سيدنا ذا القرنين ذهب إلى منطقة في أقصى الغرب تعرف باسم (مغرب الشمس) وهي منطقة تعارف الناس على تسميتها بهذا الاسم في ذلك الزمن. فوجد مستنقعاً كبيراً مثل المستنقعات التي نراها اليوم في غرب أمريكا وكندا..
والصور التالية توضح لنا كيف تغرب الشمس في منطقة مائية موحلة وهي من اللوحات الإلهية الرائعة التي تدل على عظمة الخالق، بل إن غروب الشمس في مناطق المستنقعات التي تمتد لآلاف الكيلومترات يعتبر من أجمل المناظر الطبيعية التي تستدعي التأمل والوقوف...
مجموعة صور مأخوذة لمناطق وحلة يمتزج فيها الماء والبحيرات الطينية والمستنقعات بحيث تشكل بيئة قريبة للتي رآها سيدنا ذو القرنين ووصف الشمس بأنها تغرب في عين حمئة، أي عين من الماء والطين والوحل، وتأملوا معي كيف تظهر الشمس وكأنها تغوص وتختفي داخل الطين... إنها مناظر تدعونا لتسبيح الخالق عز وجل...
(مغرب الشمس Sunset) هو اسم لمنطقة بعيدة كان الناس يظنون وقتها أن الشمس تغيب فيها. عندما وصلها ذو القرنين (وجدها) أي هو الذي وجد الشمس (تغرب) أي يغيب ضوؤها في عين حمئة من الطين أشبه بمنطقة مستنقعات. وبالتالي لا يوجد أي تناقض في القرآن، فالقرآن يصور لنا رؤية ذي القرنين... وهذه حقيقة نسبية يراها البشر... يرون ضوء الشمس يغيب في البحر أو وراء جبل في خلف مستنقع..
فنحن في حياتنا اليومية نستخدم عبارات كثيرة مثل (الشمس تشرق... أو تغرب.. أو تطلع من الشرق... أو تغرب من جهة ذلك الجبل...) والحقيقة أن الشمس لا تشرق ولا تغرب هذا في رؤيتنا، بل الأرض هي التي تدور حول الشمس فتتولد ظاهرة الشروق والغروب. إذاً هناك حقيقة مطلقة وحقيقة نسبية، أي تشرق وتتحرك بالنسبة لنا على الأرض.
وهكذا عندما يتحدث القرآن عن حقائق مطلقة تتعلق بالشمس فإننا نجده يصور لنا الشمس في مسيرها وكأننا نراها: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33]... (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40]... (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزمر: 5]... ولذلك في القرآن أسلوبان الأول مطلق وهو يمثل لغة الحقائق العلمية، والثاني نسبي يمثل ما نراه بأعيننا... مثل الجبال، نراها ثابتة مع العلم أنها تتحرك بمعدل عشرات المليمترات في السنة: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].
النتيجة
إن القرآن صحيح تماماً من الناحية العلمية لأنه يصور لنا ما يراه الإنسان بشكل نسبي، ويصور لنا الحقائق المطلقة... مثل قصة أهل الكهف وقوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) [الكهف: 17]. فالشمس عند طلوعها تميل قليلاً عنهم لكيلا تحرقهم وإذا غربت تبتعد عنهم أيضاً لكي لا تؤذيهم... مع العلم أن الشمس تجري وتسبح في فلكها بنظام ثابت، ولكن الذي ينظر يرى أن وضعية مدخل الكهف والوضعية التي ينام فيها أصحاب الكهف هي وضعيات دقيقة تؤدي إلى عدم إصابة شعاع الشمس لهم مباشرة. إذاً هكذا يرى من يطلع عليهم...
وأخيراً نقول لكل من يشك بهذا القرآن أو ببعض آياته، نرجو منك الاطلاع على كامل القرآن وسوف تظهر لك الحقيقة فوراً، لأنك عندما تأخذ مقطعاً من هنا وكلمة من هناك فهذا اجتزاء للحديث وهذا أسلوب المشككين، ولو وضع المشككون الآيات كاملة لزالت الشبهة وظهر الحق وهو ظاهر طبعاً: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32]
بقلم عبد الدائم الكحيل: www.kaheel7.com/ar
0 التعليقات:
إرسال تعليق