يسألني العديد من الإخوة حول إمكانية أن يصبحوا باحثين في الإعجاز العلمي، ولكن هل تحتاج هذه المسألة إلى تخصصات علمية أو شرعية؟ وأحببت من خلال هذه السطور أن اشرح تجربتي في هذا المجال، وقبل كل شيء أنا ضد أي تخصص في العلم، وهذه وجهة نظر فقط.
فالتخصص يجمد عقل الإنسان ويحصره في زاوية ضيقة جداً، وكذلك لا أرى ضرورة للتخصص العلمي في حال رغب الإنسان في تدبر القرآن واستخراج بعض الاستنباطات، لأن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن للناس كافة، ولم ينزله لأصحاب الاختصاص فقط!
فالتدبر مطلوب من كل واحد منا، والله تعالى يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]. فكل واحد لا يتدبر القرآن قلبه مقفل! والتدبر يا إخوتي لا يقتصر على تلاوة القرآن، بل ينبغي على المؤمن أن يتأمل معاني الآيات وأن يوسع آفاق معرفته بكتاب الله، كما ينبغي ألا نقف عند حد معين بل عجائب القرآن لا تنقضي، ولو تفرغ كل البشر لاكتشاف معجزات هذا القرآن لما نفدت أسراره وعجائبه وروائعه.
تأملوا معي قول الحق تبارك وتعالى عن كتابه: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان: 27]. وكما أننا نرى آلاف الباحثين بل مئات الآلاف يبحثون في أسرار الكون، ينبغي أن نرى آلاف الباحثين يبحثون في أسرار القرآن، فالقرآن أعظم من الكون، لأن الكون يزول وكلام الله لا يزول!
أما عن مخاوف العلماء من حدوث أخطاء أو يقول كل واحد برأيه، فهذه يمكن التغلب عليها بالإخلاص واستشارة العلماء، وواجب العلماء أن يصححوا أي خلل ولا يبخلوا بالنصيحة. ولذلك أنصح كل مؤمن أن يبدأ منذ هذه اللحظة بالبحث عن عجائب القرآن، قبل أن يأتي ذلك اليوم حيث لا ينفع الندم على ما ضيعناه من وقت خارج تدبر القرآن.
خطوات البحث ببساطة هي:
1- البحث في علوم الإعجاز ميسر لمن أخلص بحثه لله، ولن يجد أي صعوبة بل سيعيش لحظات من اللذة لا يمكن أن يعيشها خارج تدبر القرآن. وبعد أن تتوجه إلى الله بإخلاص ادع الله أن يهيء لك الظروف المناسبة للبحث ويهيء لك أسباب البحث في هذا العلم. والله سيستجيب لأن الله يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
2- أن تبدأ بحفظ القرآن لأن التأمل واستخراج المعجزات يحتاج لمعرفة بالآية القرآنية وباللغة العربية وهذه اللغة لن تحصل عليها إلا بحفظ أجزاء من القرآن وتكرار الاستماع إلى القرآن، وأن تقرأ في تفسير القرآن، وتحاول أن تخصص أفضل أوقاتك لتلاوة القرآن والاستماع إليه. وأن تعلم أن هذا الوقت الذي تخصصه لكتاب الله هو الذي سينفعك أمام الله، أما بقية وقتك الذي تصرفه على أمور الدنيا فهذا سوف يزول مع زوال الدنيا.
3- محاولة الاطلاع على الحقائق العلمية من اكتشافات أو أخبار العلم والتكنولوجيا أو أخبار البيئة والصحة والطب، وذلك حسب رغبتك وميولك العلمية، فإذا كنت تحب الاطلاع على حقائق في علم الغذاء مثلاً فأكثر من ذلك، لتمتلك قاعدة علمية قوية. وهذه القاعدة ضرورية لتصبح باحثاً في الإعجاز.
4- أن تجلس كل يوم أو بما يسمح به الوقت لتأمل بعض آيات القرآن، ولا يوجد نظام لذلك، وأفضل طريقة أن تغتنم أي فرصة تجد نفسك في حالة صفاء ذهني لتعيش لحظات رائعة في تدبر وتأمل آيات القرآن، ثم تحاول أن تستخرج معاني جديدة للآية، وينبغي أن يكون أساس عملك هذا هو الإخلاص والصدق مع الله.
5- الآن وبعد أن مرت عدة شهور وبعد أن حفظت شيئاً من كتاب الله، وأصبح لديك لغة عربية جيدة تستطيع بها التعبير عما تريد، وبعد أن أصبح لديك خلفية علمية جيدة، يمكنك أن تجري بعض المقارنات بين ما تقرأه في القرآن وبين ما يكشفه العلماء اليوم.
6- وينبغي أن تبقى على تواصل مع أهل العلم سواء عبر الإنترنت أو من خلال المسجد أو الجامعة أو أي وسيلة بحيث لا تقطع صلتك بأهل العلم. فتأخذ رأيهم في أي فكرة جديدة وتستمع لنصيحتهم وإياك أن تتمسك برأيك بل تحاور وتستفيد من أي فكرة مهما كانت صغيرة. وكم استفدت من فكرة صغيرة فكانت سبباً في بناء بحث علمي استفاد منه الآلاف.
هذه يا أحبتي تجربتي مع الإعجاز أحببت أن أنقل إليكم جزءاً منها، وجزى الله السائل خير الجزاء، وكم أتمنى أن نرتقي علمياً ويكون القرآن هو المحرك في هذا الارتقاء، فصدقوني الغرب ليس أفضل منا في أي شيء، بل حضارة الغرب قامت على الإلحاد، وعلى إنكار الله، وعلى ملذات الدنيا وحب المصالح، وليس لديهم أي قاعدة متينة. بينما نحن المسلمون لدينا أعظم وأمتن قاعدة ألا وهي تعاليم القرآن، ونقول كما قال تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 105-111].
0 التعليقات:
إرسال تعليق