هذا موضوع شائك، وقد خاض فيه كثير من العلماء ولكن لم يصلوا إلى التوافق بين العلم والدين. ملخص نظرية التطور التي وضعها داروين أن كل المخلوقات نشأت من أصل واحد وتطورت على شكل سلسلة من المخلوقات بدأت بالخلية الأم، مروراً بعالم الأسماك والطيور والزواحف والقرود وانتهاء بالإنسان الذي يعتبر أعقد المخلوقات على وجه الأرض.
إن المشاكل التي تعاني منها نظرية التطور أنها ترد أي شيء للمصادفة والطبيعة وهذا بالطبع يناقض كل الديانات التي ترد الخلق لله تعالى. المشكلة الأخرى أن في هذه النظرية انقطاعات كثيرة، فلو فرضنا جدلاً أن القرود تطورت ثم شكلت الإنسان، كيف تعلم الإنسان النطق والضحك والبكاء وكيف تطور دماغه بهذا الشكل الهائل... مئات الأسئلة تطرح نفسها ولا تجيب عنها نظرية التطور.
لذلك تعتبر هذه النظرية ناقصة، وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع أن ننكر أن هناك نوعاً ما من التطور، لأن الخلية في جسم الإنسان هي ذاتها في أي حيوان أو نبات أو بكتريا تقريباً! والقرآن يقول بأن أصل الأحياء واحد وهو الماء في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30].
وحتى لو أثبت العلم أن آدم ليس هو أول البشر بل هناك بشر من قبله عاشوا وأفسدوا في الأرض فاصطفى الله آدم من بينهم وعلمه وجعله خليفة في الأرض، فلا أرى هناك مشكلة في التوفيق بين العلم والقرآن، لأن القرآن لا يذكر تفاصيل عملية خلق آدم، وحتى السنة المطهرة لا تذكر التفاصيل الدقيقة.
لذلك عندما أرى قول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 33]. فكما أن الله اصطفى سيدنا إبراهيم من قومه واصطفى سيدنا نوحاً من قومه، كذلك اصطفى سيدنا آدم من بين البشر البدائيين وعلمه وعندما اعترض الملائكة بقولهم:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30].
فقد رأى الملائكة إفساد البشر من قبل آدم وظنوا أن هذا الكائن الجديد سيفسد في الأرض كما أفسد من كان قبله، ولذلك قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) ولكن الله برحمته علم آدم وميزه عمن سبقه: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة: 31-33].
فالله تبارك وتعالى خلق سيدنا آدم من تراب، هذه حقيقة قرآنية، ولكن الكيفية التي خُلق بها، فهذه أشياء غيبية الله أعلم بها. والحقيقة أن موضوع الخلق موضوع شائك ويفضل لمن أراد الخوض فيه أن يكون حذراً، والله أعلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق