إنها آية عظيمة تلفت الأنظار كلما قرأها المؤمن، يقول تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، إننا نعيش هذه الكلمات في كل لحظة من حياتنا، فلو أراد أحدنا أن يحصي النعم التي تفضل الله بها على أي واحد منا لا يستطيع، سوف تعجز أعقد أجهزة السوبر كمبيوتر عن إحصاء هذه النعم، ولو أحبَّ أحدكم فليجرب.
لنتأمل فقط عدد الأمراض وأنواعها التي تصيب البشر، وكم مرضاً نجاك الله منه، وكم موقفاً أنقذك الله منه، وكم موهبة وهبك الله إياها، وكم وسيلة من وسائل البصر والسمع والعقل وووو.. أعطاك الله إياها، ... صدقوني لن يستطيع أحد إحصاء عدد النعم، ويكفي أن أخبركم بأن ما نجهله من نعم ولا نحس به أكبر بكثير مما نعلمه، مثلاً نعمة الجاذبية الأرضية لا نحس بها، ولكن ماذا لو خرجنا إلى الفضاء (مثلاً اقرأ بحثاً بعنوان: نعمة الجاذبية الأرضية).
بالإضافة إلى كل ذلك هناك نعمة ربما لا يراها الكثيرون، يمكنني أن أسميها نعمة الإعجاز المذهل الذي أودعه الله في هذه الآية الكريمة ليُرينا من آياته عسى أن نحمده عليها! وسوف أبحر معكم لنعيش قليلاً مع هذه المعجزة، طبعاً نحن نهدف إلى رؤية عظمة هذه الآية ونطمح لمزيد من الإيمان والتدبر عسى أن نكسر أقفال الغفلة من على قلوبنا، مستجيبين لنداء الحق تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].
إن أول ظاهرة تلفت الانتباه أن هذه الآية تكررت مرتين في القرآن، لماذا؟ هل هو مجرد تكرار أم هو تكرار مقصود من الله؟ لنتأمل هاتين الآيتين:
1- (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
2- (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18].
هناك ملاحظتان: الأولى أن كلمة (نعمة) كُتبت بشكلين (نعمت، نعمة)، والثانية أن كل آية انتهت بعبارة تختلف عن الأخرى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ - إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، وهنا تتبادر للذهن تساؤلات بالنسبة للمؤمن، وهي موضع تشكيك بالنسبة للملحد. لماذا هذا الاختلاف، هل هو من باب التنوع الأدبي، وإذا كان كذلك، لماذا تُرسم الكلمة ذاتها بشكلين مختلفين، مرة بالتاء العادية ومرة بالتاء المربوطة، ماذا سيقدم هذا الرسم؟
أحبتي في الله سوف أبدأ معكم رحلة العجائب ولكن قبل ذلك أود أن أشير إلى الأسس العلمية لهذا البحث، ويمكن أن أختصرها لكم بعدة نقاط:
1- نعدُّ الحروف كما تُكتب في القرآن وليس كما تُلفظ، وهذه طريقة ثابتة في جميع الأبحاث.
2- نعدّ واو العطف كلمة، وهذا أساس ثابت لجميع الأبحاث أيضاً.
3- عندما نضع الأرقام لا نجمعها ولا نطرحها ولا نضربها أو نقسمها، فقط نقرؤها كما هي في نظام المصفوفات أي نصف الأعداد ونقرأ دون تغيير أي شيء، وفق ما يُسمى السلاسل الحسابية.
4- نعتمد الرقم سبعة كأساس لأبحاث الإعجاز العددي، لأنه الرقم الأكثر أهمية في القرآن والسنَّة والكون والعبادات، ولأن الله ذكره كثيراً في القرآن (السبع المثاني، سبع سموات، سبعة أبواب، سبع ليالٍ، سبع سنين، سبعة أبحر...). وهو عدد أولي لا ينقسم إلا على نفسه وعلى واحد.
5- دائماً تأتي جميع الأعداد الناتجة من مضاعفات الرقم سبعة، بما يدل على وجود نظام عددي وليس مجرد مصادفة.
نلاحظ أن الآية الأولى خُتمت بظلم الإنسان وكفره، والآية الثانية خُتمت بمغفرة الله تعالى ورحمته، أي نحن أمام حقيقتين متعاكستين. والآن أيها الأحبة لنطبق هذه القواعد وننظر إلى التناسقات العجيبة مع الرقم سبعة فنقوم بعد الحروف أولاً، لنكتب الآية وتحت كل كلمة عدد حروفها لنجد:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
1 2 5 4 4 2 6 2 4 5 4
إن العدد الناتج لدينا من مضاعفات الرقم سبعة لنتأكد رقمياً من ذلك:
45426244521 ÷ 7 = 6489463503
لاحظ أن الناتج عدد صحيح لا فواصل فيه، أي أن العدد الذي يمثل توزع حروف الآية يقبل القسمة على سبعة من دون باق أي هو من مضاعفات الرقم سبعة. قد يقول قائل إن هذه مصادفة لننتقل إلى الآية الثانية ونفعل الشيء ذاته، ونتذكر بأن نهاية الآيتين متعاكستين (مغفرة الله - ظلم الإنسان)، لنكتب عدد حروف كل كلمة:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
1 2 5 4 4 2 6 2 6 5 4
وبما أن النهايتين متعاكستين فلابد أن تتعاكس الأرقام! ولذلك نقرأ العدد بالعكس فيصبح من مضاعفات الرقم سبعة كما يلي:
12544262654 ÷ 7 = 1792037522
وهنا نجد أن ناتج القسمة عدد صحيح أيضاً، ولكن قد يستمر هذا القائل بقوله إن هذه مصادفة أيضاً، ولذلك نستمر في عرض التناسقات حتى تنتفي المصادفة نهائياً بإذن الله. وبما أن (الله) هو قائل هذه الكلمات فمن الطبيعي أن يكون قد أودع في كلماته ما يُثبت ذلك، لنلجأ إلى كلمة (الله) أي إلى حروف الألف واللام والهاء وهي حروف هذا الاسم العظيم، فنحصي في كل كلمة هذه الحروف الثلاثة ولا نحصي بقية الحروف، أي أننا نريد أن نعرف كم حرفاً من حروف اسم (الله) أودع الله في كل كلمة!
لنبدأ بعد حروف الألف واللام والهاء في كل كلمة (طبعاً التاء المربوطة في كلمة نعمة هي هاء، والكلمة التي لا تحوي أي حرف من حروف (الله) تأخذ الرقم صفر):
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
0 1 1 1 4 2 2 1 4 1 0
إن هذا العدد الذي يمثل توزع حروف (الله) في هذه الآية التي تتحدث عن مغفرة الله، هذا العدد من مضاعفات السبعة (ليكون شاهداً على أن منزّل هذه الكلمات هو خالق السّموات السبع):
01412241110 = 7 × 201748730
إذن رتَّب الله كلمات هذه الآية بما يتناسب مع الرقم سبعة، وكذلك رتب حروف اسمه (الله) بما يتناسب مع الرقم سبعة أيضاً، فهل هذه مصادفة؟ قد يقول قائل إنها مصادفة، ولكي ندرأ الشبهة نتابع في الآية الثانية، فنستخرج من كل كلمة ما تحويه من الحروف الثلاثة الألف واللام والهاء أي حروف اسم (الله) لنجد:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
0 1 1 0 4 2 2 1 3 2 1
ماذا تتوقعون الآن؟ تماماً نفس ما نتج معنا في الحالة الأولى، بما أن هذه الآية تعاكس الآية السابقة لأنها تتحدث عن ظلم الإنسان، إذن لابد من عكس العدد ليصبح من مضاعفات الرقم سبعة، ويكون لدينا:
01104221321 = 7 × 157745903
وسبحان الله! عندما ينعكس المعنى تنعكس معه الأرقام، بالله عليكم هل هذه مصادفة؟ لمن يعتقد بأن هذا التناسق الخارق هو مصادفة نسأله لماذا كُتبت كلمة (نعمت) بالتاء؟ ولو لم تُكتب بهذا الشكل لم ينضبط الحساب، إذن كيف جاءت هذه التاء؟ نريد تفسيراً. (لو كُتبت هذه الكلمة بالتاء المربوطة التي تعد هاءً إذن لأصبح العدد 12312241110 وهذا العدد لا يقبل القسمة على سبعة).
لنتأمل الآن هذه اللوحة الإلهية الرائعة، ونلاحظ اتجاهات الأسهم التي تعبر عن اتجاه قراءة العدد:
لاحظ عزيزي القارئ كيف أننا أمام عددين متعاكسين (باتجاه السهمين)، لأن خاتمة كل آية تعاكس الأخرى، (المغفرة تعاكس الظلم)، طبعاً الأعداد تقبل القسمة على سبعة باتجاهين متعاكسين.
وهنا لاحظ كيف حافظ هذا التعاكس بالأسهم على نفسه، حيث نقرأ الأعداد باتجاهين متعاكسين أيضاً. ولا تنس كيف كُتبت كلمة (نعمة) و (نعمت) على شكلين لتناسب هذا النظام الرياضي المعجز!
والآن سوف أنتقل بكم إلى لوحة رائعة بالفعل تتجلى في حروف أول آية في القرآن، هذه الآية التي كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يبدأ كل شأنه بها، وهي (بسم الله الرحمن الرحيم)، وقد شاء الله أن تتألف هذه الآية من عشرة أحرف دون المكرر وهي (ب س م ا ل هـ ر ح ن ي)، هذه هي أبجدية البسملة.
وقد يقول قائل لماذا لجأتَ إلى هذه الآية دون سواها، وأقول لأن لها أسراراً عظيمة، ولأنها كلام الله تعالى المعجز للبشر. ولأن الله بدأ كتابه بها فهي أول آية في القرآن، والفكرة هي أن نحصي من كلمات الآيتين حروف البسملة العشرة فقط دون سواها، أي أننا نعد من كل كلمة ما تحويه من حروف البسملة، والكلمة التي لا تحوي أي حرف من البسملة تأخذ الرقم صفر كالعادة.
ولكن قبل أن نكتب الآية نلاحظ أنها تتألف من مقطعين، لنكتب كل مقطع وما تحويه كل كلمة من البسملة:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
0 2 1 2 4 2 3
إن العدد الذي يمثل توزح حروف البسملة في هذا المقطع من مضاعفات الرقم سبعة:
3242120 = 7 × 463160
لننتقل إلى المقطع الثاني ونتبع الطريق ذاتها:
إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
2 6 3 2
ولكن معكوس العدد هنا أي 2632 من مضاعفات الرقم سبعة:
2632 = 7 × 376
أي لدينا عددان متعاكسان في هذه الآية، قد يقول قائل ما هذا التعقيد ولماذا هذه الاتجاهات، ولماذا هذا التصنع! وأقول يا أخي لا تتعجل، لأنتقل معك إلى الآية الثانية لترى هذه العجيبة من عجائب القرآن، لنكتب الآية ونكرر الخطوات ذاتها، أي نحصي حروف البسملة في كل كلمة من كلمات الآية طبعاً لكل مقطع كما فعلنا مع الآية الأولى:
وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
0 2 1 3 4 2 3
إن معكوس هذا العدد أي العدد 0213423 هو من مضاعفات الرقم سبعة، أي:
0213423 = 7 × 30489
الآن نكتب المقطع الثاني وتحت كل كلمة حروف البسملة في هذه الكلمة:
إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
2 4 2 4
وهنا نجد أن العدد 4242 الذي يمثل توزع حروف البسملة من مضاعفات الرقم سبعة، أي:
4242 = 7 × 606
والشكل الآتي يوضح هذه الاتجاهات المتعاكسة في قراءة الأعداد:
وهنا تتجلى عظمة هذا النظام، انظروا معي كيف أن الآية الأولى تمثل رحمة الله ونعمته ومغفرته فجاءت الأسهم متقاربة، بينما الآية الثانية تعبر عن نعمة الله على الإنسان ولكن الإنسان يظلم نفسه ويبتعد عن رحمة الله، وبالتالي الأسهم متنافرة، سبحان الله! هل هناك أبلغ من هذه اللغة للتعبير عن عظمة الإعجاز العددي في القرآن؟
والآن قد يقول أخ مؤمن: ما فائدة هذه الأعداد ونحن مؤمنون مسبقاً بأن القرآن كلام الله تعالى؟ ولماذا هذا التعقيد وهذه الحسابات، ألا يكفي أن نتدبر القرآن من الناحية اللغوية والبلاغية؟
وأقول يا أحبتي! لو أن أحدنا زيَّن بيته بنبات جميل أو تحفة فنية أو لوحة مزخرفة، هل ستزيد من قيمة البيت أم ستضر بهذا البيت؟ كذلك القرآن زيَّنه الله بهذه المعجزات وهذه التناسقات التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، ليكون كتاباً كاملاً في كل شيء، في لغته وبيانه وتعبيره، وفي معلوماته وتشريعه وأحكامه، وفي قصصه وأخباره وحقائقه العلمية، وكذلك في أعداد كلماته وحروفه وترتيب هذه الكلمات والحروف.
إن هذا النظام وهذه الأعداد لتدل على أن كل حرف نزل بعلم الله وليس للبشر حرف واحد في القرآن لافي لفظه ولا في رسمه، بل كل من عند الله، ونحن كمؤمنين ندعي حب القرآن، ألسنا بحاجة لأن نقوّي هذه العقيدة وهذا الحب وهذه الثقة بالقرآن؟
لذلك يا إخوتي لا ينبغي لمؤمن أن ينكر فائدة هذا النظام العددي، لأن الله تعالى لا يضع شيئاً عبثاً في كتابه، بل كل شيء فيه حكمة وفائدة عظيمة، نسأل الله تعالى أن يزيدنا بهذه العجائب حباً لهذا القرآن وتعلقاً به، لأن الإنسان كلما أدرك عظمة الشيء ازداد تعلقاً به، وهذا هو هدفنا من هذه الأبحاث إن شاء الله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق