لم تكن تصريحات أحمد أرحموش، منسق الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، التي قال فيها إن أمازيغ ركراكة، عندما زاروا الرسول كلموه وخاطبوه بلغتهم الأم الأمازيغية، وحيوه في بداية اللقاء به بكلمة "أزول"، نشازا أو سيقت هكذا اعتباطا، بل إن جدلا قديما جديدا لا زال يراوح مكانه بخصوص صدقية هذه الواقعة من عدمها.
وتباينت مواقف المؤرخين والمتابعين إزاء هذا المعطى، فمن قائل إن مغاربة أمازيغ من منطقة الصويرة سافروا منذ قرون إلى الجزيرة العربية حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ينشر الدعوة الإسلامية، فالتقوا به وحدثوه بلسانهم الأمازيغي، وأجابهم هو أيضا بنفس اللغة.
وهناك من نفى هذا اللقاء جملة وتفصيلا، باعتبار أن الرسول لم يلتق أحدا من مغاربة ذلك الزمن، فبالأحرى أن يخاطبهم باللغة الأمازيغية باعتبار أنه كان يجهلها، بينما وقف آخرون موقف وسطا بأن رفضوا الخوض كثيرا في واقعة تاريخية ليس عليها دليل أو برهان.
سبعة رجال
قبل أيام خلت أثار فقيه معروف بمنطقة سوس، بمناسبة موسم الولي سيدي الحاج مبارك بإنزكان ضواحي أكادير، سجالا ولغطا عندما أكد أن "رواية ثابتة تفيد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحدث الأمازيغية بطلاقة إلى غرباء قدموا عنده للمسجد في المدينة المنورة".
وأورد الشيخ ذاته بأن "سبعة رجال متزهدين من قبائل ركراكة الأمازيغية نواحي مدينة أسفي قديما كانوا يتخذون المسيحية دينا قبل ظهور الإسلام، وبعد علمهم بظهور الإسلام، امتثلوا لتعاليم المسيحية التي تحدثت عن نبوة رسول مذكور في الإنجيل اسمه أحمد".
واستطرد الفقيه بأن الغرباء قدموا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلوا المسجد، حيث قال أحدهم "من دِيوْن أمازان ن ربي"، والمعنى "أيكم رسول الله"، وفي رواية أخرى "متا كن ايْكان أرقاص ن ربي"، فأجابه النبي "اشكد اور"، أي تعال هنا، فجعل الرسول يتحدث معه بلغتهم الأمازيغية.
وتؤكد بعض الكتب والمؤلفات هذا الواقعة، من قبيل كتاب "مفاخر البربر" لمؤلف مجهول، وأيضا كتاب "السيف المسلول فيمن أنكر على الركراكيين صحبة الرسول" الذي تعتز به الزوايا الركراكية بالمغرب.
وأشار صاحب كتاب "السيف المسلول.." إلى أن سبعة رجال رحلوا من منطقة آسفي ـ الصويرة نحو الجزيرة العربية، والتقوا بالرسول وهو في عز دعوته، وتحدث إليهم بالأمازيغية، فمكثوا هناك زمنا أخذوا منه الإسلام، وأدخلوه إلى المغرب قبل مجيء عقبة بن نافع".
جد طارق
ولعل سند هؤلاء الذين يؤكدون حديث النبي بالأمازيغية مع رجال مغاربة يعود إلى معجزات الرسول عليه السلام، فهو قد تحدث بلسان عربي مبين رغم أنه أمي يجهل القراءة والكتاب، فليس بغريب عنه أن يتحدث الأمازيغية أيضا ممن لا يعرف سواها، وهو ما حدث مع الرجال السبعة القادمين من المغرب.
الكاتب الجزائري الطاهر بن عائشة يروي في هذا السياق أن "جد طارق بن زياد، والذي اسمه عبد الله، كان يعيش بمنطقة وادي سوف، وإذ وصلت أنباء الإسلام إلى أسماع قبيلة نفزاوة، كان ذلك قبل الفتح الإسلامي، اجتمع أعيان بعض فروع القبيلة وقرروا الذهاب إلى بلاد الشرق للاستفسار عن هذا الدين الجديد".
وتبعا لذات الرواية فإن جد طارق وسبعة من الرجال الآخرين سافروا إلى مكة، وبعد مسيرة دامت أسابيع وصل الرجال الأمازيغ، ثم سألوا عن مكان إقامة رسول الدين الجديد واقتيدوا إليه، وكان الرسول كعادته يستقبل جميع الوفود القادمة من جهات كثيرة.
و"يقال إن الرسول سأل الرجل الذي أدخلهم عليه قائلا: من أي بلاد هذا الوفد؟ فأجابه: إنهم من بلاد المغرب الأمازيغ، بلاد البرنس، اللباس التقليدي المغاربي، فالتفت الرسول إليهم وأخذ يكلمهم بلغتهم أي اللغة الأمازيغية" يورد بن عائشة.
لا يمكن الجزم
وقال الدكتور محمد اللبار، أستاذ التاريخ القديم بجامعة فاس، في تصريحات لهسبريس، إن ما قيل حول حديث النبي عليه الصلاة والسلام بلسان أمازيغي عند استقباله وفدا أما زيغيا من المغرب، إنما هو من المأثور من الكلام، حيث لا يمكن الجزم بهذا الوضوح" يؤكد اللبار.
وأردف اللبار بأن "الذي ورد تاريخيا أن مغاربة زاروا الرسول، ولكن هل تحدثوا إليه باللغة العربية، أو الأمازيغية، أم أنه كان هناك ترجمان بين الوفد والنبي، فهذا من الصعب الجزم به في هذا المقام" وفق تعبيره.
واسترسل المتحدث ذاته بأن "كل ما قيل أو ما سيقال في هذه الواقعة سيكون من المجازفة، لأن الأمر يستوجب أبحاثا وأبحاثا تاريخية معمقة، فيصبح من الصعوبة بمكان أن يأتي المؤرخ أو المتخصص ليجزم بحدوث أو عدم حدوث هذه الواقعة هكذا بجرة لسان".
المصدر: http://www.hespress.com/tamazight/177561.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق